جريمة اعتداء بالجلباب "الأبيض"

كان مَشْهدا مُخزيا، مَجموعة من البرلمانيين يشتبكون بالأيدي، منهم من يوجه لكمات وكلمات نابية، ومنهم من يعض ويشد بخناق الآخر، أحد المعتدين زعيم حزب سياسي، والثاني برلماني مَعروف بترحاله السياسي، والبقية إما "يفكون" الشجار، أو يساعدون في توجيه "البُونيات".
يا إلهي.. يقع هذا داخل البرلمان، وبعد دقائق معدودة من الخطاب الملكي الذي دعا إلى الرفع من مستوى الخطاب السياسي، غير أن أمثال هؤلاء ليس لديهم أي خطاب، فكيف يرفعون من مُستواه، إنهم لايخجلون، يَتبادلون في أي لحظة "ثورة" الاتهامات واللكمات والركلات، فيتحول البرلمان إلى حَلبة لمُصَارعة الثيران، للأسف الشديد لايُفرقون بين الثورة والثور.
كما يجب أن نلتمس لهؤلاء المحسوبين على المُعارضة، كامل العُذر، لأنهم لايفرقون أيضا، بين السلاح الأبيض والجلباب الأبيض. وهكذا شاهدنا بأعيننا التي سيأكلها الدود والتراب، كيف اعتدى أحدهم بالجلباب الأبيض على زميله. 
لقد احمر بياض الجلاليب خجلا من هذا السلوك البئيس الذي يهوي بأصحابه إلى الحضيض.
هل اللجوء إلى العنف اللفظي والجسدي، أصبح لازمة سياسية لدى المعارضة ؟ 
فقبل أسابيع، وفي شهر رمضان بالضبط، استعمل المشاركون في مؤتمر شبيبة حزبية تابعة لحزب مُعارض، مادة الكريموجين، لحل خلافاتهم، وقبل ذلك هَاجم صيادلة ينتمي أحدهم لحزب معارض أيضا، وزير الصحة، داخل البرلمان. إلى هذه الدرجة استنفذت المُعارضة كل الوسائل السلمية لتسوية مشاكلها مع خصومها وحلفائها، فعوض اللجوء إلى أسلحة الحوار والتفاهم بالتي هي أحسن، تنتقل المعارضة إلى الحوار بالتي هي أخشن، عن طريق استعمال العنف اللفظي أحيانا، مثلما شكك شباط، في علاقة رئيس الحكومة، بداعش والموساد، ثم استعماله العُنف الجسدي مع مُستشار برلماني في لقاء المُعارضة عقب افتتاح السنة التشريعية الرابعة.
فهل جينات العُنف مَعجونة بالحمض النووي لأشخاص ينتمون لأحزاب تدعي المُعارضة ؟ ولهذا تجدهم يكشرون عن أنيابهم، لمُواجهة خصومهم، وأحيانا فيما بينهم، مثل واقعة "شباط واللبار". المُشكل يكمن في هؤلاء الأشخاص الذين فشلوا في التخلص من "البلطجة" التي رافقتهم مُنذ ولوجهم العمل الحزبي، وهكذا تنتابهم هذه الحالة المرضية من حين لآخر، ويصعب لديهم "التكيف" مع مَوقعهم الجديد في المُعارضة، في مثل شعبي دارج له أكثر من دلالة، يقول أن "الشيخة رغم توبتها لا تنس هزان لكتاف". مع الاعتذار الشديد لهذه الفئة المهشمة التي يلجأ إليها هؤلاء السياسيون لتنشيط تجمعاتهم الحزبية.
يصعب لدى هذه "النخبة" أو بتعبير الراحل المهدي المنجرة، "النخخخخخ...بة"، استعمال خطاب سياسي راق، لأنهم لا يحفظون سوى مفردات قليلة تمتح من مُعجم "الشطارية"، والباقي يكملونه بالعراك بالأيدي وبأشياء أخرى.
ليس عيبا أن يكون الزعيم السياسي، عاملا بسيطا في ورشة للميكانيك، أو النجارة، ويتدرج بعد ذلك بأساليب ديموقراطية حتى يَصل إلى مَنصب عال في المسوؤلية الحزبية، ويمثل هيئته السياسية أحسن تمثيل على مستوى الممارسة والخطاب معا، العيب هو أن يختطف هذا "الزعيم" حزبه، ويفشل في تحقيق الإجماع بين جميع مُناضليه، ويبدأ في "التشيار بالحجر". 
توقفوا عن هذا، فالعمل السياسي ليس مجالا للمُبارزة، واستعراض العضلات، إنه مسؤولية وتكليف لإخراج البلاد من "الغيس" الذي عاشت فيه منذ خمسين سنة، ولا حاجة لنا بسياسيين، يفشلون في الحوار حتى مع حلفائهم، فما بالك بخصومهم، فيشرعون في تسديد اللكمات إليهم، لا حاجة لنا بسياسيين لايحترمون المؤسسة البرلمانية التي يتشدقون بأنهم يمثلون الشعب فيها، لا حاجة لنا بهؤلاء الذين يلوثون بياض جلابيبهم البيضاء بممارسات صبيانية، هؤلاء مكانهم حلبة "السومو"، سيما أنهم سياسيين "محنكين"، و"وازنين".
توقفوا عن اقتراف الفعل السياسي، واخرجوا من البرلمان، واقصدوا أقرب حلبة ملاكمة، واحصدوا لنا الميدياليات الذهبية، فإن الرياضة في بلادنا في حاجة إلى عضلات.. "وليس عضات".



بقلم : 
شارك على جوجل بلس

عن بوابة ايغود

0 التعليقات:

إرسال تعليق