يراهن إقليم اليوسفية على إخراج مجموعة من المخططات التنموية لنفض الغبار عنه،
بعد عقود من التهميش والإقصاء، التي عانتها المنطقة، رغم ما تتوفر عليه من مؤهلات سياحية وفلاحية واقتصادية مهمة، بيد أن افتقاد مخططات ودراسات دقيقة، ساهم في تفريخ العديد من ظواهر التهميش والفقر وارتفاع نسب الهشاشة.. ظلت منطقة أحمر التي شكلت جماعاتها أخيرا إقليم اليوسفية، تابعة إداريا إلى إقليم آسفي، إذ لم تجن المنطقة من تبعيتها الإدارية لآسفي ، سوى التهميش والإقصاء، برأي العديد من المهتمين، وهو ما يفسر ارتفاع نسب الفقر والهشاشة في أغلب جماعات المنطقة، وافتقاد المنطقة مشاريع تنموية حقيقية بإمكانها فك العزلة عنها، كما هو الحال بسيدي شيكر واجنان أبيه، في حين أعلنت جماعات قروية كانت رافدا مهما لإنتاج الفوسفاط إفلاسها، ونقصد بذلك جماعة الكنثور، التي كانت تعتبر حتى تسعينات القرن الماضي، من أغنى الجماعات القروية بالمغرب. التهميش الذي عانته المنطقة، جعل العديد من الفعاليات السياسية والحقوقية والجمعوية، تتوحد في إطار ما سمي التنسيقية المحلية لتخليق الحياة العامة، التي كان من أبرز مطالبها الاستقلال الإداري عن إقليم آسفي، وتوفير السبل لتحقيق تنمية شاملة، تحقق مبدأ مصالحة المنطقة مع خيراتها، من خلال الاستغلال المعقلن للإمكانيات التي يتوفر عليها الإقليم، وهو ما تأتى بعدما أحدثت عمالة اليوسفية، التي تضم 11 جماعة حضرية وقروية، وتتوفر على إمكانيات مهمة، في حاجة إلى الاستغلال الأمثل، وترشيد الإمكانيات الذاتية، بما يساهم في خلق رجة تنموية حقيقية افتقدتها المنطقة منذ سنوات. وكان إحداث عمالة اليوسفية، بمثابة الكشف عن العديد من الظواهر المشينة التي تفرخت ونمت بهذا الإقليم الفتي، منها أن مركز الإقليم أي اليوسفية يعتبر من المراكز العشوائية، إذ يفتقد مظاهر التمدن ويغلب عليه الطابع البدوي، فحسب الإحصائيات الرسمية فإن أزيد من 70 في المائة من أحياء المدينة بنيت بشكل عشوائي، وتفتقر إلى البنيات التحتية الأساسية مثل شبكة مجاري المياه العادمة والطرقات والربط بشبكة الكهرباء والماء، فضلا عن اختلالات أخرى، منها أن شبكة الكهرباء ذات التوتر العالي تخترق وسط المدينة، والخطط السككي يعزل عدة أحياء بها. ويؤكد أحد المنتخبين أن هذه الإكراهات، كانت عائقا للتنمية، خصوصا في ظل غياب الدراسات العلمية لخلق مشاريع بالإقليم، فضلا عن التهميش المُمَنهج الذي كان يعانيه الإقليم، في ظل تبعيته لآسفي. وإذا كان هذا هو حال مركز الإقليم، فإن الشماعية التي تعتبر ثاني جماعة حضرية بإقليم اليوسفية، تعاني هي كذلك اختلالات خطيرة جدا، حولت المدينة إلى ما يشبه تجمعا سكانيا عشوائيا، يفتقد أبسط مقومات التمدن، رغم الأدوار التاريخية التي عرفتها الشماعية، باعتبارها أقدم مركز بإقليم اليوسفية، إذ لعبت الشماعية منذ القرن 18 عدة أدوار منها الاقتصادية والسياسية والعسكرية والفلاحية. الوضع الذي تعيشه الشماعية واليوسفية، يسري على باقي جماعات الإقليم، مما جعل السلطات الإقليمية في حاجة إلى وقفة تأمل لدراسة هذا الواقع، والقيام بعدة دراسات لتحقيق تنمية شاملة، تأخذ بعين الاعتبار المؤهلات التي يعرفها الإقليم، وكذا عوائق التنمية، وسبل تجاوزها. واستنادا إلى معطيات دقيقة حصلت عليها “الصباح”، فإن المجلس الإقليمي لليوسفية، تعاقد مع أحد مكاتب الدراسات من أجل إنجاز عدة دراسات، لتحقيق التنمية بالإقليم، “فلا يمكن أن نتصور عملا متكاملا، أو خلق مشاريع نسعى من ورائها لتحقيق التنمية، دون أن يكون هناك عمل قاعدي يتجلى في إنجاز الدراسات المطلوبة، سيما أن التدبير الجماعي، خلال السنوات الماضية، كان يرتكز على العشوائية والارتجالية والمزاجية، وهو ما خلق العديد من الظواهر السلبية”، يؤكد محمد فكري، عضو بالمجلس الإقليمي لليوسفية.
الأمر ذاته، يؤكده الحسين بومسمار، عضو بالمجلس ذاته، والذي يشير إلى أن غياب تصورات تنموية على المدى البعيد، ساهم في خلق تشوهات مورفولوجية لأغلب جماعات المنطقة، وهو ما سيتم تجاوزه من خلال الدراسات التي يُنجزها المجلس الإقليمي حاليا، لأنه لا يمكن استثمار اعتمادات مالية في مشاريع بدون دراسة. وتؤكد المعطيات ذاتها، أن عمالة اليوسفية، وضعت برنامجا للتنمية، يرتكز على إبراز المؤهلات التي تتوفر عليها المنطقة، ومنها الإمكانيات الفلاحية، إذ يتم حاليا وضع اللمسات الأخيرة لدراسة حول سلسلة إنتاج اللحوم الحمراء. وحسب تصريحات عبد الرحمان عدي، عامل إقليم اليوسفية، خلال الدورة الأخيرة للمجلس الإقليمي، فإن هذا المشروع، سيساهم في خلق حركية اقتصادية وفلاحية مهمة، على اعتبار أن المنطقة معروفة بإنتاج صنف من الأغنام، يتميز بالجودة. ويرتكز هذا المشروع، على تسمين الخرفان وإعادة بيعها، لإنتاج اللحوم الحمراء، سيما أن المنطقة ترتكز في غالبية نشاطها الفلاحي على بيع المواشي، وإنتاج اللحوم التي تصدر إلى عدة مناطق من المغرب منها أكادير والبيضاء ومراكش. غير أن واقع الحال اليوم، يؤكد افتقاد مجازر عصرية وغياب آليات متطورة لإنتاج اللحوم، مما ينعكس سلبا على عائدات هذا النشاط الفلاحي بالنسبة إلى الفلاحين. وتؤكد عدة معطيات استقتها “الصباح” من مصادر مطلعة، إحداث معمل لإنتاج العلف، سيوجه بأثمنة مشجعة للفلاحين بالمنطقة، وخلق تعاونيات لإنتاج اللحوم الحمراء، وتكوين منخرطي هذه التعاونيات. كما يرتقب خلق مسار سياحي بالإقليم، يأخذ بعين الاعتبار الإمكانيات المتوفرة، منها غابة المحمية الملكية لغزال “آدم دوركاس”، والذي يعتبر من الغزلان المهددة بالانقراض على المستوى الدولي، ومغارة إنسان إيغود، الذي عثر بها على بقايا أقدم إنسان في شمال إفريقيا، وبحيرة زيمة المصنفة من المناطق الرطبة من الدرجة الثانية، حسب اتفاقية “رامسار”، ويضم هذا الموقع البيئي والسياحي أزيد من 36 نوعا من الطيور النادرة. كما يراهن سكان الإقليم، على خلق قرية روحية بمنطقة سيدي شيكر، وتجري عدة أشغال بهذه المنطقة، التي أصبحت وجهة سنوية لمتصوفة العالم.
الصباح : 12 – 06 – 2012
محمد العوال

0 التعليقات:
إرسال تعليق